لماذا أبو هريرة؟
عندما تبدأ الحديث عن منظومة الحديث لا يمكن لبالك إلا أن يقفز إليه ذلك الاسم –أو هذه الكنية– أبو هريرة، الصحابي الذي اختلف على اسمه بين ثلاثين اسماً –كما قال النووي– وقال القطب الحلبي أربعة وأربعين بحسب ما أورد بن حجر في الإصابة يرجح المحققون –ولا ندري لماذا– اسم عبد الرحمن بن صخر الدوسي، تتبادر كنيته إلى ذهنك لا لشيء إلا أنه روى ثمانية آلاف وأربعمئة وسبعين حديثًا مما يعدونه صحيحاً، منها ربع أحاديث البخاري وأكثر من نصف أحاديث مسلم ، فعند الحديث عن منظومة الحديث لا يمكنك أن تتجاهل عموداً مهماً من أعمدتها كأبي هريرة.
وكم اﻷحاديث الذي يرويها أبو هريرة عن انتقاد كثرة روايته في عصره، تعددت صيغها، كقوله فيما أورده البخاري “حوالي أربع مرات” ومسلم والإمام أحمد “مرتين”: “إنكم تزعمون أن أبا هريرةيكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم … إلى آخره” ومارواه حدّث به هو ذاته عن روايته ما لم يروه سواه من المهاجرين واﻷنصار –رضوان الله على من أحسن منهم– : “ويقولون مال المهاجرين واﻷنصار لا يروون مثل أحاديثه” كما ورد في صحيح البخاري ومسند أحمد. فهذا يرينا أن أبا هريرة وحديثه لم نكن أول المتسائلين عنهما بل سبق إلى ذلك معاصريه من كبار الصحابة عامّ، ومنهم سيدنا عمر –رضي الله عنه– حين يقول أبو هريرة بعد وفاة عمر رضي الله عنه : إني ﻷحدثكم بأحاديث لو سمعني عمر لجلدني عليها” وسيدنا عمر أعلم وأخبر منّا بأبي هريرةحين ردّ شهادته التي شهدها “بالظنّ” وقال له تنطعت في شهادتك
ومرجع البحث في أحاديث أبي هريرة أن أحاديثه يضرب بعضها بعضاً صراحة، ويناقض الثابت من التاريخ والسيرة وأخلاق النبي، وما يخالف المنطق السليم، وما يخالف العلم الثابت القطعي وما يتعارض مع صريح القرآن الكريم الذي لا تشابه فيه، وخلطه في النسبة إلى الرسول ما لم يقله وما رواه عمّن لم يلق النبي صلى لله عليه وسلم ككعب الأحبار مثلاً.
يتبادر إلى الذهن سؤال، كم مكث أبو هريرة مع النبي صلى الله عليه وسلم كي يروي عنه ثمانية آلاف حديث تشكل ربع اﻷحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحاح التسعة؟
أما إسلام ابي هريرة فكان في أوائل السنة السابعة، فمكث مع النبي صلى الله عليه وسلم من شهر صفر في العام السابع ثم ذهب إلى البحرين مع العلاء بن الحضرمي في شهر ذي القعدة من العام الذي يليه أي العام الثامن كما أوردت الروايات في طبقات بن سعد وتاريخ الطبري وأسد الغابة وسير أعلام النبلاءوالتاريخ الكبير وفتح الباري واﻹصابة. أي أن مدة مكثه مع النبي صلى الله عليه وسلم لم تطل عن سنة وتسعة أشهر فقط!!
ولم نجد عند أحد غير أبي هريرة إثبات ملازمته للنبي صلى الله علي وسلم –على ملء بطنه كما روى أبو هريرة نفسه في روايات متعددة– إذ لو كان هذا صحيحاً وأنه يشهد إذا غابوا ويحفظ إذا نسوا فقد الصحابة ليعتبرونه مرجعاً يستندون إليه عند الاختلاف لا أن يمنع من الرواية في خلافة سيدنا عمر وعثمان!!
وهل شغل المهاجرين واﻷنصار تجارتهم وأموالهم كما قال أبو هريرة وشغل السيدة عائشة المرآة والمكحلة فعلاً، وإن كان كذلك فهل لم يشغل النبي صلى الله عليه وسلم أي شيءٍ من دعوة واكتساب رزق وخدمة أهله وغير ذلك حتى لازم أبا هريرة طيلة هذه المدة التي يقدرها أكثر الذين يحابون أبا هريرة –وهم على خطءٍ بيّن– بثلاث سنوات، وهي لا تتجاوز السنتين بأيّ حالٍ كما أوردنا، حتى يروي عنها كلّ هذا القدر مما يلزم المسلمون وما لا يلزمهم بل ويلبس عليهم دينهم ويضرب بعضه القرآن!!؟
وفي هذا السياق نورد حديثاً يرويه أبو هريرة لا تجد ما يدعوك لتصديقه إذ يقول عن نفسه :- قدمت ورسول الله بخيبر وقد زدت على الثلاثين،فأقمت معه حتى مات، أدور في بيوت نسائه وأخدمه وأغزو معهوأحج فكنت أعلم الناس بحديثه” .. ففي هذه الرواية تواجهنا معضلات عدّة منها أن أبا هريرة لم يقم مع النبي حتى وفاته ولم يحضر حجّة النبي صلى الله عليه وسلم –الوحيدة– لكونه قد كان بالبحرين حينها، أما عن غزوه مع النبي فهذا لا قبل ﻷحد بتصديقه، إذ أن أبا هريرة لم يرو عنه أنه كان من الشجعان أو كبار المجاهدين قطّ بل على العكس تماماً فهو يروي فراره في غزوة مؤتة وتعيير ابن عمّ له بفراره يومها كما أورد الحاكم في مستدركه. فكيف يسعنا تصديق هذا بكل هذا التناقض الواضح!؟
ولا نرى ﻷبي هريرة خصوصية تدعو النبي صلى الله عليه وسلم أن يخصه بهذا العلم –على كثرته– دون سائر الصحابة كرفيقه الذي كان ليتخذه خليلاً أبي بكر الصديق وابن عمّه وزوج ابنته سيدنا عليّ –عليه وعلى آل البيت جميعاً السلام– فيقول أبو هريرة كما يروي البخاري في كتاب العلم ” حفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعائين فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم” فهل يسرّ النبي صلى الله عليه وسلم بأمور ديننا وهو المكلف بالبلاغ كما قال الله تعالى ” يا أيها النبي بلّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته” ثم ألا يتنافى قول أبي هريرة هذا مع قوله تعالى ” لتبيننه للناس ولا تكتمونه“!؟
في الحديث عن النهم :
“ الصلاة خلف علي أتمّ، وسماط معاوية أدسم، وترك القتال أسلم” بقول أبي هريرة هذا الذي ورد في السيرة الحلبية وروض اﻷخيار المنتخب. فنرى هنا أي شخصية نحن بصددها تلك التي تعرف أين الحق ومع ذلك تهرع لسماط معاوية لتأكل من مضيرتِه التي قال عنها في رواية أخرى أنها أطيب ..!
حدثوناعنأبيهريرة:
قيل من ضمن ما اختلف في اسمه أنه عبد الرحمن بن صخر الدوسي، أسلم عام خيبر –سنة سبع للهجرة– وقدم إلى النبي صلى الله عليه وسلم –فيمن كان قد قدم من اليمن من الدوسيين مع أبي موسى اﻷشعري– حين كان صلى الله عليه وسلم يقسم غنائم خيبر فسأل أبو هريرة النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل المجاهدين أن يقسم له فقبلوا، –بحسب ماقال أبو هريرة وورد في صحيح البخاري.- وقدم أبان بن سعيد من سرية سيرها النبي صلى الله عليه وسلم إلى نجد فقال أبو هريرة للنبي صلى الله عليه وسلم: لا تعطه “أي أبان بن سعيد” فقال له أبان ” واعجباً لك يا وبر تدأدأ من قدوم ضأن” فلم يزد النبي على ان قال ﻷبان “اجلس” ..فلا أدري كيف يصل أبو هريرة بعد الغزوة ويقسم له ثم يسأل أن لا يقسم لمن كانوا في الغزو!..
ثم يرد سؤال هنا، وهو لماذا تأخر قدوم أبي هريرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم زمن اضطهاده، وهو معروف أنه قد ـسلم قبل ذلك، فيقول بن حجر في فتح الباري، أن أبا هريرة ومن معه “علموا ما كان من النبي من محاربة الكفار، فلما بلغتهم المهادنة، أمنوا وطلبوا الوصول إليه” فهو يثبت هنا ما قاله أبان بن سعيد من تحقير شأنه وأنه لا قبل له بالقتال، لانعدام طاقته، ولانعدام شجاعته.
خيبر:
ممّا هو ثابت حدّ التواتر ان أبا هريرة لم يشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر فيما رواه هوَ أو رواه أبو موسى اﻷشعري أو غيرهما، فيذكر البخاري عن أبي هريرة أنه قال ” افتتحنا خيبر” ويروي نفس الحديث في باب آخر “شهدنا خيبر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم” . فتدبّر!!
بين أبي هريرة وكعب اﻷحبار:
يخبرنا الذهبي في سير أعلام النبلاء أن أبا هريرة قد حمل “أي روى” عن كعب الحبر ، ونقل الذهبي كذلك عن كعب اﻷحبار أنه قال، ما رأيت أحداً لم يقرأ التوراة أعلم بما جاء فيها من أبي هريرة/.
أما ما يرويه أبي هريرة عن كعب اﻷحبار ثم ينسبه للنبي صلى الله عليه وسلم فنورد هنا حديثٌ أورده مسلم في صحيحه أن أبا هريرة قال: “ أخذ رسول الله بيدي،فقال خلق الله التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم اﻷحد، وخلق الشجر يوم الإثنين،وخلق المكروه يوم الثلاثاء،وخلق النور يوم اﻷربعاء، وبث فيهما الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة في آخر الخلق من آخر ساعة من ساعات يوم الجمعة فيما بين العصر إلى الليل.”
وكما هو واضحٌ أن نصّ هذا الحديث مخالف للنص القرآني الذي لا يقبل تأويلاً أن الله “خلق السماوات واﻷرض في ستة أيام” ففي حديث التربة هذا قد خلق الله اﻷرض في اﻷيام الستة جميعها!! وهذه ليست المعضلة الوحيدة فبخلاف هذا التضارب مع القرآن يذكر البخاري وابن كثير أن أبا هريرة قد تلقى هذا الحديث عن كعب اﻷحبار!! فالسؤال هنا كيف إذا كان قد تلقى الحديث عن كعب اﻷحبار أن يجوز له القول أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ بيده!! ولا أظنّ بحال أن مثل هذا الحديث قد تصحّ نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأي حال.
وشاهدُ أقوى أن أبا هريرة قد نقله فيما نقل عن كعب اﻷحبار أن الطبراني قد أورد خبراً مشابهاً عن عبد الله بن سلام الحبر اليهودي الذي أسلم! فتفكّر.
ويتكرر هذا في أحاديث عدة، يبدو فيها الكذب صراحاً ﻷيّ عاقل غير متحيّز يخشى على الدين أن يوضع فيه ما ليس منه ليجد أعداءه مدخلا للطعن فيه!.. لا يطمع أن يحافظ على كرسيّ حاكم بأحاديث تحريم الخروج والسمع والطاعة، واسترقاق الناس واستعبادهم.
أما آن لنا أن ننظر لتراثنا نظرة علميّة فاحصة نميّز بها الغثّ والمهتريء والمنافي للفطرة السليمة ولما ورد في كتاب الله وما ثبت من صحيح السنّة النبوية المطهرة من فعل النبي مما تواتر نقله عن عموم المسلمين وخيرتهم من كل صفات محمودة أتى الإسلام ليرسخها مثل حرية المرء واحترامِهِ والإعلاء من قيمته! بدلاً من فتح باب عظيم للطعن على الإسلام والقدح فيه، فهذا غيض من فيضٍ يقطع بأن الرواية من هذا الطريق أقل ما يقال عنها أنها محلّ شكٍ وارتياب وارتباك شديد.
فهلاّ تختلف نظرتنا ولو قليلاً الآن، وهل نشرع الآن في مشروع بحثي ينفض غبار اﻷزمنة المتعاقبة ومصالح الفقهاء عن هذا الدين ليعود ديناً إنسانياً لا تشوبُه هذه الشوائب التي ليست من دين الله في شيء… أتمنّى.
Read Full Post »